مراهَقَةُ الشاعر شربل بعيني

    بقلم انطوانيت عوّاد

حياته: 
   وُلِد الشّاعر شربِل بعيني في مجدَلَيَّا عام 1951م. سافر إلى أستراليا في العشرين من عمره، وكان قد بَدَأَ كتابة الشّعر في الوطن لبنان، ثمَّ أَثَّرَت فيه الغربةُ كثيراً فكتبَ الشِّعرَ بِأسلوبٍ سهلٍ، خاصَّةً بالعامِيَّةِ، كي يدخلَ إلى قلوب المواطنينَ المغتربين الذين لا يفهمون اللغةَ الفصحى.
كتاباته:
  للمُؤلِّفِ كتاباتٌ عديدةٌ، تتنوَّعُ بين شعرٍ وكتبٍ مدرسيَّةٍ. ففي الشِّـعرِ نذكُرُ مـن كتبِـه: مراهقة، رباعيّات، مجانين، قصائد ريفيّة، ألـله ونقطة زيت، ومناجاة علي.
   ومن كتبه المدرسيّةِ نذكر: القراءة السّهلة، سامي وهدى، قاموسي الصغير  والقراءة الشَّامِلَة.
مراهقة:
  هذا الكتاب الّذي بدأ شربل بعيني مسيرته الشّعريّة من خلاله. لقد عبَّـر فيـه عن مشاعر سنّ المراهقة بصدق وجرأة. إعتمد في قصائده على الغزل الإباحيّ المتجرّد من العاطفة والحبّ، ووقف على حاجات الجسد ليس إلاّ، ممثلاً بذلك ثورة على التقاليد القديمة، ومطلِقاً العنان للتعبير عن المشاعر الصّادقة دون خوف أو تردّد.          
  لاقى الكتابُ إعجاباً كبيراً رغم نقد النّاقدينَ ورغم اعتباره مهدداً للقيم الأخلاقيّة، وقد طبع في لبنان عام 1968م، ثم تلته طبعات اخرى في سيدني عام 1983م، و 1987، و 1989م. 
محتواه:
 يتألّف الكتاب من 113 صفحة موزّعة كما يلي: المقدّمة ، قصائد بخطّ يدي، يا مراهقة، عوينات، فن الغمز، ريـق ونهد، يا جـارة، ليش البكي، المهد تكسـّر، فرفورتـي، صدرك، نهودك، متلك أنا، سكّير، كرمال عينك، جيرك، جسمي شعل، يا زغيرتي، حلمتك، حفلة رقص، بصران، يا دنيي، خْطَيْ، انتبهي، هند، شاعر... والقصيدة التي نحن بصددها هي:
حملني ع زندك حطّني
وع صدر عامِر شِدّنِي
وْخِدْنِي عَ دِنْيِي مْبَحْبَحَه
بِالْحُبّ .. أُوعا تْرِدّنِي

خِدْنِي عَ أُوضَه مْعَتّمِي
عَ فْرَاشْها تا نِرْتِمِي
جِسْمِي شِعِلْ .. تِمِّي حِمِي
عَجِّلْ بِمَيَّكْ رِشّنِي

خَدّي لِهِبْ .. عُنْقِي احْتَرَقْ
قَلْبِي سهم شَهْوِه اخْتَرَقْ
وْعَ درب جِسْمِي ما مَرَقْ
غَيْرَك إِنِتْ لا تْصدّني
شرح القصيدة:
  في هذه القصيدة تعبير عن شعور صادق لِمَا تَتَمنَّاهُ كل مُراهِقَةٍ، أَلا وهو أن يحملَها الحبيب ويضمَّها إلى صدره، وينقلها إلى عالـم الحب ويبقيها في ربوعه. ثمَّ هناك طلبٌ جريءٌ لممارسة الحبّ مع الحبيب، مع وصفٍ كاملٍ لمشاعر الجسد، واحتقان اللهيب في وجه وعنق المراهقة من جرّاء شهوة الحبّ الّتي في قلبها.. في جسدها الّذي لَـمْ يَعرِفْ أحداً مِن قبلُ، فتطلب من الحبيب النّجدة وعدم الصدِّ: عجِّلْ بِمَيَّكْ رِشّنِي.
أسلوب القصيدة:
   كتب الشاعر القصيدة بأسلوب سهل بسيط مفهوم، فيه تعبير عمّا يجول في فكر مُراهقةٍ، وعمّا تطلبه نفسها وجسدها، حيث تستسلم للخيال والعاطفة القويّة الّتي تنقلها إلى عالـم الحبّ، وهو عالـمٌ رومنطقيّ بعيد عن الواقع.
صور القصيدة:
   الصور الشعريّة في القصيدة جميلة ساحرة لأنّها من نسج الخيال، هذا الخيال الّذي يعمد إلى وصف الجوّ الرومنطقيّ الحالـم، الّذي يمثّل روعة الحبّ.
تَحليل القصيدة :
   لو أردنا تحليل القصيدة لقلنا إنّها استسلامٌ واقعيٌّ للخيال تمرّ به المراهقة. قد يكون غيمةً عابرةً في حياتها، أو قد يكون حلماً جميلاً لا تلبث أن تستيقظَ منه.  ولكن، أهمّ ما في الأمر هو نجاح الشاعر شربل بعيني، وأسلوبه السّاحر في التّعبير عن أفكار المراهقة، خاصة في قصيدة "جسمي شعل".. إنّه يعبّر عن شعور مراهقة بأسلوبه السّهل الّذي يدخل الى قلب كل من يقرأه سواء أكان جاهلاً أم متعلّماً. 
   جَمالُ التّعبير في هذه القصيدة جعل الّذين قرأوها، سواء سنة 1968 أم في السّنين الّتي تلتها، يتلذّذون بقراءتها، وجعل المراهقين، بصورة خاصّة، يردِّدون كلماتها ولو في خلواتهم.
وقع الكتاب:
  صحيح أن كتاب "مراهقة" لاقى انتقاداً شديداً من ناحية، ولكنه من ناحية أخرى لاقى تأييداً عارِماً. أمّا النّقد فقد جاء من الكتّاب الّذين خافوا على الأخلاق الإجتماعيَّة، واعتبروه مهدِّداً لها، ولكن غاب عنهم أن الشاعر، يومَ كتب الكتاب، كان في سنّ المراهقة. وقد عبّر فيه عن شعوره وشعور كلّ مراهق ومراهقة، ليس في ذلك الوقت فقط، بل فـي كلّ الأوقات أيضاً. وهـل عيب أن يعبّـر شخص ما، تعبيـراً صادقاً، عمّا يجول في فكره؟!.. فإذا نظرنا إلى هذا الأمر من النّاحية النّفسيّةِ نجد أنّ كل شيء جميل في أوانه، وأنّ المراهق يحلم ويتخيّل، وفي حلمه وخياله تعبير طبيعيّ عن حالته النّفسيّة. 
   وعند قراءة قصيدة "جسمي شِعِل" نجد أن الشاعر فنّان كتبها باسلوب رائع جميل، وعبَّر عن أفكاره بجرأة، وقد حطّم التقاليد القديمة البالية التي تتجلّى بالتّكتُّمِ والتّستّر، اللذين لا يؤديان إلاّ إلى العقد النّفسيّة والأمراض الكثيرة، الّتي تودي بصاحبها إلى الهلاك النّفسيّ والتدمير الجسدي. لهذا نستطيع القول إن هذه القصيدة ما هي إلا تعبير عن شعور حقيقي صادق بعيد عن الكذب والتستّر والهرب. إنه مواجهة المجتمع بالحقيقة، إنه الشجاعة بذاتها، ومن ذا الّذي يقف بوجه الشّجاعة والجرأة ويتصدّى لهما؟.. عصرنا هذا يتطلّب الجرأة والقوّة والشّجاعة كي يعطي أبطالاً بدل أن يعطي جبناء متخاذلين!.   
   كما أنّ مؤيّدي كتاب "مراهقة" اعتبروا أن هذا النّوع إذا ما قورن بما سبقه أو لحقه من شعر، فإنّه شعر أرستقراطيّ متحرّر من القيود، غير عابىء بالتّقاليد  خاصّة في عصر متطوّر، أصبحت نفوس سكّانه تطلب التجديد، وتنبذ كل ما هو بالٍ، وكلّ ما يعتبر "موضة قديمة". وأهمّ ما في الأمر أن هذا الشعر يحتوي على كلمات جميلة وتخيّلات واسعة تعبّر عن الفنّ باسلوب فنّيّ جميل، ليس من الضرورة أن يوضع موضع التّنفيذ، بل إنّه الفنّ من أجل الفنّ.
تطوّر الشاعر:
   ما يلفت الإنتباه هو أن الشّاعر كريم معطاء، أعطى الكثير عبر السّنين، وقد تدرّجت مؤلّفاته بين ما هو حسيّ ملموس وما هو معنويّ مجرّد. وخير دليل على ذلك ما جاء في كتاب "على ضفاف الكارثة"، حيث ذكر الأستاذ عصمت الأيّوبي ـ ص 60 ـ أن الشاعر تطوّر مـن "شاعر حَدَثٍ غَرورٍ أَرْعَنَ" في "مراهقة"، إلـى أن "بَلغ ذروة الفـنّ وتسـنّم قمّـة الشّـعر فـي "مناجاة علي".
   نظرة تفاؤليّة:
   شعرنا المهجري في أستراليا، هل يصبح في يوم من الأيّام مدرسة في الشّعر العربي؟.. تماماً كما حدث لهذا الشّعر على يد المهاجرين الأوائل في الأميركتين  أولئك الّذين أرسوا الرّابطة القلميّة الّتي كان يرئسها الشاعر الأديب والفنّان الرّاحل جبران خليل جبران، يعاونه نخبة من أدباء عصره.. أو الّذين أسّسوا العصبة الأندلسيّة وغيرها.
  لقد طرح أولئك الشّعراء أَفكاراً جريئة في اللّغة والأسلوب والأفكار، حتّى خلّدت بهم مدارس الإغتراب، فهل يتسنّى للشّعر العربي المهجري هنا في أستراليا أن يبلغ ذلك الشّأن، ويصل بسفينة الشّعر إلى حدود الأمان وشاطىء السّلامة؟.
 الجواب الأكيد، نعم، فاللبناني يتكرّر أينما كان، ذاته بذاته، وبذور وجود الشّعر تقيم في ذاتها مادّة بقائها واستمراريّتها. فإذا ما عرف شعراء المهجر الأسترالي كيف يتّحدون، وكيف يتقاسمون المهمّات الملقاة على عاتقهم، في حدود المعقول، وفي مواجهة المستحيل، عندئذ نستطيع أن نتفاءل ونقول بأنّ الشّعر العربي المهجري الأسترالي قد وجد نفسه، وحظي بذاته على أيدي شعراء أفذاذ لا يقصّرون باعاً عن الأُلَى سبقوهم في مهاجر أميركا وسواها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
ـ بعيني، شربل: مراهقة ـ طبعة رابعة ـ دار عصام حدّاد، جبيل، لبنان، 1989.
ـ الأيّوبي، عصمت: على ضفاف الكارثة ـ سيدني، أستراليا، 1992 .

واحدة من دراسات كثيرة عن أدب شربل بعيني في جامعة ماكرثر الاسترالية.
**